سعودي الإخباري

«حرب النجوم الثانية».. عسكرة للفضاء واستنزاف للموارد - سعودي الإخباري

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
«حرب النجوم الثانية».. عسكرة للفضاء واستنزاف للموارد - سعودي الإخباري, اليوم الخميس 13 فبراير 2025 07:20 صباحاً

د. أيمن سمير

لأول مرة منذ فترة طويلة يدق جرس التليفون الأرضي، فوجدت صديقاً يقول «آسف على الإزعاج»، التليفونات المحمولة لا تعمل، ويتساءل هل كل الشبكات الخلوية في العالم لا تعمل أم أن الشبكات في منطقتنا العربية فقط هي التي توقفت؟ ذهبت لاستجلاء الموقف من التلفزيون، ربما هناك أخبار عما يجري، فإذا بالإرسال التلفزيوني والقنوات الفضائية متوقفة، وبينما أحاول معرفة ما يجري دق جرس المنزل لأجد أحد الجيران الذي ودعته صباحاً، وكان ذاهباً إلى المطار يقول لي: إن أجهزة الملاحة الجوية تعطلت والمطارات لا تعمل، لهذا اضطر للعودة وتأجيل السفر؟ حاولت طلب سيارة من إحدى تطبيقات سيارات التاكسي للذهاب للجامعة، فتأكد لي أن الهواتف المحمولة لا تعمل، وكل ما عليها من تطبيقات مرتبطة بالأقمار الصناعية باتت خارج الخدمة.
هذا سيناريو خيالي -أتمنى ألا يحدث- لكنه سيناريو يكشف جانباً فقط من جوانب كثيرة لما يمكن أن يكون عليه العالم حال اندلاع «حرب في الفضاء» بين القوى العسكرية الكبرى والتي بات لدى معظمها الصواريخ «الفرط صوتية»، والمركبات الإنزلاقية التي يمكن أن تدمر «الأقمار الصناعية» في المدارات القريبة من الأرض، ففي نوفمبر 2021 قالت روسيا: أنها قادرة على تدمير 32 قمراً صناعياً تابعاً لحلف دول شمال الأطلسي «الناتو»، وفي 17 فبراير 2024 أبلغت واشنطن أن القيادة الروسية تطور سلاحاً نووياً يهدف لتدمير الأقمار الصناعية المدنية والعسكرية الغربية، وهذا فقط أحد التداعيات الخطرة «لعسكرة الفضاء» أو نشوب «حرب نجوم ثانية» بين روسيا والصين من جانب والولايات المتحدة من جانب أخر على غرار الحرب التي أطلقها الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان ضد الاتحاد السوفييتي السابق وأطلق عليها «حرب النجوم»
وبعيداً عن الازدحام الشديد بالأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض سواء للتجسس أو مراقبة الطقس أو للاتصالات والملاحة والتي يصل عددها الآن لنحو 9 آلاف قمر صناعي بات الخطر قريباً جديداً من اندلاع حروب في الفضاء في ظل امتلاك القوى العظمى لكافة أدوات الحرب الفضائية مثل «الصواريخ فرط الصوت النووية» والألغام الفضائية «وسهولة استهداف» المحطات والأقمار الفضائية «بصواريخ من الأرض، بل وتوجه هذه الدول نحو نشر السلاح في الفضاء نفسه، فهذه الأسلحة أصبحت جوهر مشروع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب» القبة الحديدية «الذي يتبناه في ولايته الجديدة، ويقوم هذا المشروع على نشر أنظمة دفاعية، وأسلحة الليرز لمواجهة أي هجوم بالأسلحة التقليدية أو النووية ينطلق من الفضاء على الأرضي الأمريكية، ولعل الاتهامات التي طالت روسيا بإسقاطها قمراً صناعياً بصاروخ من الأرض، وإتهام واشنطن لموسكو بنشر صواريخ مسلحة في المدارات الأرضية القريبة مثل صاروخ كوزموس 2576، والصاروخ الصيني الذي خرج عن السيطرة في يوليو 2022 يؤكد خطورة الاقتراب من «حافة الحرب الفضائية» بعد أن أسس الرئيس ترامب عام 2019 القوة الفضائية الأمريكية، ونتذكر جميعاً كيف أعلن وزير الدفاع الروسي السابق سيرجي شويجو في نوفمبر 2021 نجاح الصاروخ الروسي الموجه بدقة والذي أصاب القمر الصناعي كوسموس 1408 بدقة متناهية في مدار يزيد ارتفاعه عن الأرض بنحو 35 ألف كم، وحتى يومنا هذا لم توقع سوى 18 دولة فقط على «اتفاقية حماية القمر»، فهل تندلع «حرب النجوم الثانية» كما حذرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا؟ ولماذا تخاطر الدول الكبرى بـ«عسكرة الفضاء»؟ وما دور القطاع الخاص والشركات العملاقة في التحفيز على «حرب نجوم ثانية»؟
ساحة استثنائية
تنفي الدول العظمى أمثال الولايات المتحدة والصين وروسيا والهند نشر أي صواريخ أو أسلحة لها في الفضاء، لكن الاتهامات المتبادلة بينها تزيد المخاوف من نشر أسلحة في الفضاء تحت مسمى مركبات فضائية أو صواريخ تعمل لأهداف مدنية، وهناك اتفاق على أن استهداف الأقمار الصناعية من الأرض أو بأسلحة في الفضاء سوف يعني إطلاق «حرب فضائية»، لأن القدرات المدنية والعسكرية للدول أصبحت تعتمد اعتماداً مباشر على ما يأتي لها من الفضاء، فالمعلومات والصور التي تأتي من الفضاء و أقمار التجسس والملاحة هي الأدوات الحقيقة في الحرب الجديدة، فالجيوش تصبح «عمياء» بمعنى الكلمة حال فقدانها شريان المعلومات الذي يأتي لها من الفضاء والأقمار الفضائية، حتى الأنظمة الجديدة من صواريخ الكروز والصواريخ المجنحة بالإضافة للصواريخ الأسرع من الصوت تعتمد كلها على «توجيه ملاحي» يأتي من الأقمار العسكرية التي تسبح في الفضاء، وتعتمد كذلك الطرازات الحديثة من المدفعية البعيدة وأنظمة تحديد الأهداف العسكرية على ما ترسله الأقمار الصناعية من إحداثيات، فاليوم لا يمكن تصور أي عمل عسكري دون ما يأتي من الفضاء للمساعدة في نظام «التوجيه وتحديد الأهداف» ولهذا فإن تدمير الأقمار الصناعية يعني فقدان الاتصال بين فروع الجيوش في البر، والغواصات والفرقاطات في البحر.
تحديات
بدأ السباق نحو الفضاء بين موسكو وواشنطن منذ الخمسينيات وحتى السبعينيات من القرن العشرين، وكان الجميع يعتبر أن أي إنجاز فضائي لهذا الطرف أو ذاك بمثابة دليل ومؤشر على قوته العلمية والتكنولوجية والعسكرية، الأمر الذي كان يسهم في كسب أصدقاء جدد لحلف وارسو بقيادة الاتحاد السوفييتي السابق أو حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة، ويشكل التقدم في مجال الفضاء قاطرة للتقدم العلمي لأي دولة، فعلى سبيل المثال جرى تطوير الكمبيوترات في البداية لخدمة استكشاف الفضاء وهو أمر ينطبق أيضاً على أجهزة الرصد والتوجيه والصواريخ بكل أنواعها ومدياتها
واليوم هناك غموض وتحديات كثيرة عندما يتعلق الأمر بنشر الأسلحة في الفضاء، وهو ما يزيد من حالة الشك وعدم الثقة في تصريحات الدول حول عدم نشرها أسلحة في الفضاء، وهناك سلسلة من التحديات التي تعوق تحقيق السلام والاستقرار في الفضاء، وأبرز تلك التحديات هي:
1 -التحقق من الانتهاكات
لا تملك مختلف الدول القدرة على التحقق من انتهاك الاتفاقيات التي تمنع «عسكرة الفضاء» من جانب الدول الأخرى، ففي الفضاء يصعب تحديد ما إذا كانت هذه الدولة أو تلك تنشر أسلحة جديدة أو مركبات عسكرية فضائية، وذلك للتشابه الكبير في تلك الأسلحة والتكنولوجيا التي يجرى استخدامها، وصعوبة التفرقة بين أنظمة الدفاع الصاروخي والأسلحة المضادة للأقمار الصناعية بعد نشرها في المدارات القريبة من الأرض، ولذلك دعت الأمم المتحدة إلى وضع معايير دولية للسلوك المسؤول عبر «اتفاقيات طوعية» تنضم إليها الدول بدافع منع الدخول في مواجهات عسكرية خارج الكرة الأرضية
2 - الأسلحة النووية
تأثير الأسلحة النووية في الفضاء أكثر عشرات المرات من مستويات التدمير على الأرض، لأنه حال انفجار سلاح نووي في الفضاء، لن ينتج عنه سحابة الفطر التقليدية أو الأضرار المباشرة المرتبطة بالتفجيرات الأرضية نظراً عدم وجود الغلاف الجوي، الأمر الذي سوف يؤدي الى انتشار الإشعاع الكهرومغناطيسي في مناطق واسعة بالفضاء دون معرفة أماكنها أو مدارها، وهو ما سيقود الى تعطيل و تدمير الأقمار الاصطناعية القريبة وبالتالي توقف أنظمة الاتصالات والملاحة في العالم كله
تحركات استباقية
المعروف أن الاتحاد السوفييتي السابق سبق الولايات المتحدة في إرسال الأقمار الصناعية إلى الفضاء عندما أرسل عام 1957 القمر الصناعي «سبوتنك» ومن وقتها تشعر الولايات المتحدة أنها لا تريد التخلف عن روسيا والصين في مجال الأقمار الصناعية والأسلحة الفضائية حتى بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، ولهذا تعمل الولايات المتحدة على مجموعة من الإجراءات الاستباقية لمنع الدخول في حرب «جيو- فضائية» من ناحية وحماية مصالحها في الفضاء من ناحية أخرى، وأبرز هذه الخطوات الاستباقية الأمريكية هي:
1 - حرب المناورة
يعتقد مخططو الحرب الأمريكية أن على واشنطن أن تكون قادرة على الفوز في «حرب المناورة» الفضائية عبر الاستثمار في نشر الأسلحة في الفضاء، وهي أسلحة تكون قادرة على استهداف الأهداف الأرضية للصين أو روسيا، وهذا هو قلب الاستراتيجية الدفاعية التي تحدثت عنها مؤسسة هيرتاج الأمريكية ويضمنها الرئيس دونالد ترامب ضمن مشروعه الدفاعي «القبة الحديدية»، والهدف النهائي أن يكون لدى الولايات المتحدة الأسلحة والأدوات الفضائية القادرة على أن تستهدف من الفضاء أي تحرك عسكري صيني أو روسي، وسبب إصرار الرئيس ترامب والقادة العسكريين الأمريكيين على هذا الأمر هو التقديرات الأمريكية والصينية التي تقول إن أمريكا سوف تخسر في أي«معركة تقليدية» مع الصين وذلك لأن القوات العسكرية الأمريكية البرية صغيرة مقارنة بملايين المقاتلين الصينيين، وخطوط إمداد القوات الأمريكية معرضة للخطر، ناهيك أن القدرة الصناعية الدفاعية الأمريكية تعاني من مشاكل كثيرة بحيث لا يمكنها مواكبة المتطلبات المادية لصراع شديد الكثافة مع الصين أو روسيا.
2 - نظام تشويش
تقول واشنطن إنها نشرت أنظمة تشويش ضد الصواريخ والمركبات الفضائية الروسية والصينية في الفضاء حال اقتراب هذه الأسلحة الصينية والروسية من الأصول الفضائية الأمريكية سواء كانت مدنية أو عسكرية، وبموجب هذه التقنيات الأمريكية الجديدة يمكن اعتراض ومنع إرسال أي معلومات عن الوجود الأمريكي في الفضاء إلى المراكز الأرضية في الصين وروسيا، وتعتقد واشنطن أن أسلحة وأقمار التشويش التي توصلت إليها مبدعة حيث تتكون من أجهزة تشويش للاتصالات عبر أقمار صناعية صغيرة الحجم وقابلة للحمل، وفعالة من حيث التكلفة، ومصممة للنشر في بيئات صعبة لحماية القوات الأمريكية، وسوف تعمل أنظمة التشويش الجديدة بجانب نظامين أخرين للتشويش على الصين وروسيا في الفضاء، الأول هو نظام التشويش البعيد المدى والمعروف باسم «نظام الاتصالات المضادة» والثاني نظام التشويش المتوسط.
وتقوم الحسابات الأمريكية على أن أمام واشنطن تحدياً خطيراً في ظل سعي بكين وموسكو لتقليل الفجوة التكنولوجية والعملياتية في الفضاء، ولذلك زادت ميزانية القوة الفضائية الأمريكية في الفضاء إلى نحو 30 مليار دولار سنوياً وهناك مطالب لزيادتها والهدف ليس فقط حماية الأراضي الأمريكية وحلفاء واشنطن من أي هجوم صاروخي ينطلق من الفضاء بل بحماية الأصول الأمريكية من مركبات وأقمار صناعية باتت تشكل عنواناً للتفوق العسكري والتكنولوجي الأمريكي
فجوة آخذة في التراجع
حتى يومنا هذا فإن الولايات المتحدة تسبق الصين في مجال الفضاء عموماً ، لكن كل المؤشرات تؤكد أن تلك الفجوة آخذة في التراجع لقيام بكين بمجموعة من الخطوات وهي:
أولاً: القصف الفضائي
لا تمتلك الولايات المتحدة وحدها القدرة على قصف الصين من الفضاء بل تملك الصين ومعها روسيا إمكانية استهداف القوات الأمريكية في أي مكان على وجه الأرض، وتحقق هذا الأمر للصينين عبر نظام «القصف الجزئي المداري»، أظهر الصينيون بالفعل أنهم يسعون إلى تحقيق قدرة مماثلة من خلال نظام تطلق عليه الصين «القصف الجزئي المداري»، تقوم التقديرات الصينية على أنه خلال 5 سنوات فقط يمكن للشركات الصينية العاملة في الفضاء أن تنافس شركات إيلون ماسك، ولذلك فتحت الصين الباب أمام القطاع الخاص للعمل في مجال الأقمار الصناعية، وتستهدف إطلاق نحو 25 ألف قمر صناعي خلال العقد المقبل، كما تستهدف إرسال رحلات مأهولة للقمر عام 2030 وإلى المريخ 2033.
حق النقض
استخدمت روسيا حق النقض «الفيتو» ضد مشروع قرار أمريكي في 24 أبريل العام الماضي الذي كان ينص على إعادة التصديق على معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967، وسبق لروسيا والولايات المتحدة أن وقعوا على هذه الاتفاقية التي تلزم جميع الأعضاء بالامتناع عن وضع أسلحة نووية أو أي نوع آخر من أسلحة الدمار الشامل في الفضاء الخارجي، وتنظر موسكو إلى هيمنة الولايات المتحدة في الوقت الحالي بأنها آخذة في التراجع، وأن واشنطن تتجاهل مصالح القوى الأخرى بالعمل على تطوير مجموعة من الأسلحة الأمريكية الجديدة، وتنفي موسكو تطوير «قنبلة نووية فضائية» وتقول: إنها تريد «اتفاقية شاملة» تمنع وصول الأسلحة النووية وغير النووية إلى الفضاء، لكن العقيدة الفضائية الروسية التي رسمتها وثيقة الأمن القومي الروسي عام 2021 تؤكد على ضرورة تطوير الفضاء الخارجي وفضاء المعلومات بشكل نشط باعتبارهما مجالين جديدين للعمليات العسكرية، كما تؤكد ذات المعنى «وثيقة مفهوم السياسة الخارجية» لروسيا التي أصدرتها موسكو في 31 مارس 2023، التي تشير بشكل واضح وصريح للمخاطر القادمة من الفضاء بسبب نشر الأسلحة الامريكية
الواضح أن الدخول في حرب النجوم من جديد وعسكرة الفضاء لن يكون في صالح أحد، فالجميع خاسر بما فيها الشعوب والدول المحايدة التي لا تصطف بجانب هذا أو ذاك، لذلك من الضروري البدء الفوري في حوار حول التعاون الفضائي وتنظيف المدارات الأرضية من النفايات الفضائية لإنقاذ الأرض والفضاء، والعودة من جديد معاهدة لحظر الأسلحة النووية في الفضاء.

[email protected]

أخبار متعلقة :