مجدي الجلاد في حوار خاص لـ«الحرية»: الإعلام في مصر فقد مصداقيته.. وحكومات مدبولي فشلت في التحديات الاقتصادية

مجدي الجلاد في حوار خاص لـ«الحرية»: الإعلام في مصر فقد مصداقيته.. وحكومات مدبولي فشلت في التحديات الاقتصادية

أجرت «الحرية» حوارًا خاصًا مع الكاتب الصحفي مجدي الجلاد، رئيس تحرير مؤسسة أونا الإعلامية، تناول خلاله العديد من القضايا الساخنة التي تشغل الساحة الإعلامية والسياسية في مصر.

كشف الجلاد في هذا اللقاء عن رؤيته لمستقبل الإعلام المصري، مشيرًا إلى التحديات التي يواجهها الصحفيون في ظل التحولات الرقمية المتسارعة.

كما تطرق إلى دور الصحافة في تشكيل الرأي العام في ظل الانفتاح على منصات التواصل الاجتماعي.

وعن تأثير الأزمات الإقليمية على الإعلام، تناول الجلاد الوضع في فلسطين وغزة وسوريا وتداعياته على الإعلام العربي.

كما تحدث عن دور الإعلام في مواجهة الأزمات السياسية والاجتماعية، وأوضح موقفه من حوكمة الصحافة في مصر وإصلاح المؤسسات الإعلامية.

تطرق الحديث أيضًا إلى الأوضاع الداخلية، إذ انتقد الجلاد بشدة آداء حكومات الدكتور مصطفى مدبولي المتعاقبة في الملف الاقتصادي، كما تناول الحديث عن وضع البرلمان المصري ورؤيته لانتخابات التجديد النصفي بنقابة الصحفيين.

وإلى نص الحوار:

تجربتك في الصحافة والإعلام ممتدة ومتنوعة.. ما الذي تعتبره بصمة خاصة لمجدي الجلاد؟

أعتقد أن بداية حياتي الصحفية كانت غنية بالخبرات، إذ عملت في مدارس صحفية متنوعة، لكن التجربة التي يمكنني القول إنها صنعت اسم مجدي الجلاد هي تجربة “المصري اليوم” عام 2004. وقبلها عملت في مؤسسة الأهرام، وما زلت أفتخر بانتمائي لهذا الصرح العريق.

إطلاق “المصري اليوم” كان بمثابة نقطة تحول في مسيرتي المهنية، فهي أول جريدة يومية مستقلة تصدر في مصر، وواجهت تحديًا كبيرًا بالمنافسة مع الصحف القومية الكبرى مثل الأهرام والأخبار والجمهورية، إضافة إلى الوفد.

كثيرون قالوا حينها إن إصدار جريدة يومية مستقلة دون دعم حكومي أو حزبي هو نوع من المغامرة أو الجنون.

هذا التحدي المهني الكبير جاء في مرحلة الشباب بالنسبة لي، حيث كنت رئيسًا لتحرير “المصري اليوم” لمدة تسع سنوات.

خلال تلك الفترة، تمكنا من التمرد على القوالب الصحفية التقليدية وقدمنا نموذجًا مختلفًا للصحافة. كانت مرحلة مليئة بالشغف، وشعارها الذي كان “من حقك أن تعرف” يعكس طبيعة التجربة وروحها المتمردة.

في أي محطة يتوقف مشروعك الآن؟

في مؤسسة “أونا”، أحلم بإعادة الصحافة المطبوعة إلى ألقها ونجاحها، خاصة في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها الصحافة الورقية في مصر حاليًا.

أسعى لتحقيق تجربة تزاوج بين الصحافة الورقية المطبوعة والصحافة الرقمية، بهدف المساهمة مع الزملاء في إعادة الصحافة الورقية إلى مكانتها الحقيقية.

أتطلع إلى تأسيس نموذج لمؤسسة تعتمد على التكامل بين المنصتين الإلكترونية والمطبوعة، حيث تستفيد كل منهما من الأخرى لتحقيق انتشار وتأثير أكبر.

هذا النوع من التزاوج لم يتحقق في مصر حتى الآن، للأسف، هناك مؤسسات صحفية كبيرة تمتلك صحفًا مطبوعة، لكنها تفتقر إلى القدرة على تنفيذ هذه الصيغة. النتيجة هي أنها لم تنجح في الحفاظ على الصحافة الورقية، ولم تحقق أيضًا التحول الرقمي المطلوب.

كيف ترى المشهد الصحفي والإعلامي في الوقت الحالي؟

بصراحة، يمكن القول إن الإعلام المصري بصفة عامة—سواء كان مقروءًا أو مسموعًا أو مرئيًا—شهد ارتكاب خطايا بحقه وليس مجرد أخطاء.

القضاء على التنوع في الآراء ووجهات النظر، وعلى تداول المعلومات الحقيقية والتواصل الفعّال مع الجمهور، يعني القضاء على جوهر الإعلام.

الإعلام الحقيقي يجب أن يكون وعاءً للحوار الوطني وداعمًا للوعي العام، ينشر الحقيقة دون فرض وصاية على المتلقي. للأسف، ما يحدث في مصر بعيد عن ذلك.

هناك ثلاثة عوامل رئيسية ساهمت في فشل الإعلام المصري: أولها هو هيكل الملكية، الذي أصبح غير واضح. لم نعد نعرف من يملك وسائل الإعلام وكيف تُدار.

الأسوأ أن نسبة كبيرة من وسائل الإعلام، تقدر بـ80% أو 85%، أصبحت مملوكة لكيان واحد، مما أدى إلى المشكلة الثانية: تحول الإعلام إلى صوت واحد، هذا التوجه تسبب في عزوف الجمهور عن الإعلام المصري واللجوء إلى مصادر أخرى، بعضها معادٍ للدولة.

المشكلة الثالثة تكمن في الاختيار غير المهني للقيادات الإعلامية، حيث أصبحت الموالاة الشخصية هي المعيار الأساسي، بدلاً من الخبرة والكفاءة. هذا التوجه أدى إلى تراجع الكفاءات، وتحولت المنابر الإعلامية إلى أبواق توجيه عفى عليها الزمن.

اليوم، منصات التواصل الاجتماعي أصبحت البديل الذي يقدم المعلومة الصحيحة ووجهات النظر المتنوعة بحرية أكبر مما تفعله الصحافة التقليدية.

من يتحكم في سياسة الإعلام المصري يبدو منفصلًا عن الواقع وخارج التاريخ، حيث لم يعد ممكنًا منع المعلومة أو تقييدها.

الجمهور ببساطة يترك الإعلام التقليدي ويتجه إلى وسائل التواصل، وهذا ما يحدث الآن.

أرى أن غياب التخطيط المهني والاحترافية، بالإضافة إلى التضييق غير المبرر، جعل الإعلام المصري يفقد تأثيره.

ومع ذلك، هناك أمل في الأجيال الجديدة، التي تتمتع بحيوية أكبر وتمرد إيجابي يمكن أن يعيد الإعلام إلى مساره الصحيح.

إذا كنت ستوجه رسالة إلى رئيس الجمهورية، فما هي؟

رسالتي لرئيس الجمهورية أن المواطن المصري، مثلك تمامًا، غير راضٍ عن حال الإعلام المصري اليوم. المواطن لم يعد يجد في الإعلام صوته الحقيقي.

الصحفي، المذيع، وكل عامل في وسائل الإعلام يحلم فقط بأن يتمكن من التعبير عن رأيه بحرية وأمان. يجب الإيمان بأن اتساع مساحة الحرية يثري الوطن ويعزز قوته.

من ينتقد أو يتحفظ أو يقدم وجهة نظر مختلفة عن أداء الحكومة أو قراراتها ينطلق من حرصه على مصلحة الوطن، وليس من منطلق عداء للدولة.

الاختلاف في وجهات النظر ضرورة وطنية، إذ يصب في النهاية لصالح البلد.

أدرك أن السنوات العشر الماضية كانت فترة صعبة تطلبت من الدولة التركيز على استعادة قوتها واستقرارها، لذا قد يكون التحكم في الإعلام مبررًا آنذاك، لكننا الآن، وبعد تجاوز تلك المرحلة، نستحق إعلامًا أكثر قوة وتأثيرًا يعكس صوت الشعب وتنوعه.

الصحفي اليوم بحاجة إلى الأمان في عمله، وهذا الأمان لا يمكن تحقيقه إلا عبر قرارات تأتي من أعلى المستويات، من خلال فتح مساحات حرية أكبر في الإعلام المصري، وإتاحة الفرصة لجميع وجهات النظر.

للأسف، هناك رموز ممنوعة من دخول مدينة الإنتاج الإعلامي، وقائمة كاملة تضم أسماءً تُحظر استضافتها أو ظهورها في البرامج التليفزيونية.

فهل يعني ذلك أن هؤلاء أعداء للوطن أو خطر على الدولة؟ هذا النهج لا يعكس قوة الإعلام، بل يعزله عن المجتمع.

الإعلام بكل أشكاله من المستحيل أن ينجح في خدمة بلده بدون أن يكون مؤثر، فإعلامنا غير مؤثر لأن لا أحد يصدقه، ولا أحد يجد نفسه وقضاياه به، فالمتلقي ليس بحاجة إلى وصاية، وإنما هو بحاجة إلى طرح القضية وعمل حوار ديموقراطي إيجابي حولها، ما يجعل المتلقي يجد وجهة النظر التي يريدها.

ما رأيك في وجهة النظر التي تقول أن مصر تتعرض لمخاطر وأن ترك مساحة حرية يزيد من التهديد؟

أرى أن مساحة الحرية هي العمود الفقري للحفاظ على الأمن القومي المصري، فإذا نظرنا غلى سوريا كمثال نجد أنه لم يكن بها حرية رأي وتعبير، وكانت ولة ديكتاتورية مستبدة، وهو ما أدى إلى سقوطها، ونحن دائمًا لدينا مخاطر ولكن زادت في الوقت الحالي، وعندما تكون القوى السياسية والوطنية والنخب تحاول تجميع الشعب حول هدف محدد فهذا لن ياتي إلا بحرية الرأي والتعبير.

هناك مخاطر حقيقية تحف الدولة وأنا موافق على ذلك، ولكن هل تستطيع أمة مثل مصر، أن تواجه هذه المخاطر دون تحقيق التماسك للجبهة الداخلية؟، فلابد أن يوجد هذا التماسك من خلال الوعي لدى المواطن وإعطائه إحساس أنه شريك وله صوت في تقرير مصير الدولة، ويجد صوته الحقيقي في وسائل الإعلام.

توجد وجهات نظر تبرر بأنه حتى الإعلامي الغربي لهو انحيازات وتوجهات مستدلين بتغطيته لما يحدث في قطاع غزة.. فكيف ترد على هؤلاء؟

التغطية الإعلامية الغربية للحرب في قطاع غزة هي ليست تغطية منحازة وإنما هي تغطية مشاركة في الجريمة، ويجب أن تحاكم، فلا يليق بدولة كبيرة مثل مصر منصات إعلامية إقليمية ودولية تواجه هذه الحرب، والتي يشار إليها بأنها أسلحة إعلامية وإنه فيما يتعلق بالشؤون الخارجية والإقليمية، لابد أن يكون هناك تنسيق مع الدولة في كل الرسائل الإعلامية.

لكن هل أنت تمتلك صوت إعلام مؤثر عربياً ودولياً؟، وهل مصر مش جديرة أن يكون عندها قناة مؤثرة؟ أنا أعتقد أنني مش بقول كلام الناس مش عارفاه، وهل الجزيرة مش مؤثرة في صناعة القرار الغربي، الجزيرة مؤثرة في صناعة القرار الأمريكي، وهل العربية مش مؤثرة؟، طب كيف تكون مصر؟ وهي الدولة الرائدة التي صنع إعلاميوها هذه القنوات العربية كلها بكفاءاتهم، غير قادرة حتى الآن على صناعة منصة إعلامية كبيرة لها.

هذه القناة لن تنافس الجزيرة والقنوات العربية ولكن يمكن أن تتكامل معهم، إنك تكون واصل للعالم كله واصل للمنطقة بالكامل، ده جزء مهم جداً، رئيس الجمهورية بيتكلم عن حروب الجيل الرابع وحروب الجيل الخامس، ما هي دي حروب الجيل الرابع؟ الإعلام جزء أساسي منها.

طب هل أنت عملت ده؟ طب لما جيت تعمل، عملت إيه؟ رحت عامل قنوات إخبارية؟ بتخاطب بها الداخل؟ بنكلم نفسنا، ولكن نحن جديرين بأن يكون لدينا محطات مش في محطة واحدة، فمصر جديرة إنها تكون بتدافع عن الأمن القومي لها، لأنها تمتلك العقول التي التي أسست القنوات الموجودة في المنطقة.

هل السبب في ذلك من وجهة نظرك عدم وجود المناخ الإعلامي المناسب؟

أنا أختلف في وجهة النظر هذه، فالمناخ يأتي إذا توافرت الإرادة السياسية، إذا توافرت لديك الإرادة السياسية، هتوفر المناخ والأجواء، عندما كانت هناك محاولات لإطلاق قنوات إخبارية، لماذا فشلت؟

الإجابة هي لأنه لا يوجد الآن عشرين مشاهد يشاهدون الإعلام المصري، والسبب هو إسناد مهماته إلى أصحاب الولاء والانتماء والموالاة، وأصحاب تمام يا فندم وحاضر، دون البحث عن الكفاءات والخبرات التي أخذتها القنوات الأخرى.

أسئلتي لصناع القرار الإعلامي في مصر:

أولًا: مصر في مخاطر حقيقية محيطة بها هل استطعت أن يكون لك صوت إعلامي مؤثر؟

ثانيًا: هل استطعت أن تشكل خريطة إعلامية تحوز على ثقة الناس؟

ثالثًا: هل أصبحت مناخ إعلامي متطور مثل باقي دول العالم؟

رابعًا: هل استطعت استقطاب كفاءات علمية لإعلامك؟

أنا شخصيًا لا أريد شيئًا الآن، وإنما أقول ما أقول لأنني مهموم بمهنة الصحافة، ولست بالذي يستعان به حاليًا، في كفاءات وخبرات كتير جداً غيري.

أنا أتكلم وتاريخي ورائي، أنا لا أريد شيئًا الآن عايز، فأنا  أعيش في المرحلة الملكية، والحمد لله لا أحد يمكن أن يغصبني على عمل شيء لا أريده، و«هعمل اللي بيريحني هعمله طالما أنا مؤمن إنه صح».

كان يجب أن نكون أفضل من لك بكثير في كل شيء أنا أعتقد أننا في صناعة الإعلام ومهنة الإعلام تأخرنا، الناس بتتقدم لقدام إحنا بنتأخر فبالتالي لما بتكلم عن مهنتي من حقي الأصيل أن أتكلم بحرية كاملة، ولو هتسألني الخبرات فين هقولك الخبرات موجودة في البيت.

حاليًا اللي ما عندوش موهبة ولا إمكانيات ما بيلاقيش طريق لنفسه علشان يصعد غير إنه يكون منافق ومطبل وكاتب تقارير عن زملاء الأجهزة الأمنية ومخبر وكل حاجة علشان ده الطريق الوحيد اللي هيفتح له الصعود، لأنه لا يمتلك كفاءة ولا موهبة ولا اشتغل على نفسه وبالتالي اختياره من قبل القائم على الإعلام.

كيف ترى التغييرات الأخيرة في الساحة الإعلامية والصحفية.. وما رأيك التشكيل الجديد للمجلس الأعلى للإعلام؟

أنا متفائل بالتشكيل الجديد للمجلس الأعلى للإعلام والهيئة الوطنية للصحافة، لأن الوجوه والأسماء التي تم اختيارها في المجلس الأعلى لتنظيم الصحافة والإعلام مختلفة تماماً عن التشكيلات السابقة فأنا متفائل إنهم هيعملوا تغيير وأتمنى ذلك.

ما تقييمك للمؤتمر العام السادس لنقابة الصحفيين؟

المؤتمر كان ثري جدًا، حيث كان مختلف هذه المرة عن المرات الأخرى بشكل كبير، وكانت به مساحة حرية وتنوع وتعدد الآراء، وناقش جميع القضايا بحرية تامة، وكان به إثراء وحوار إيجابي حقيقي، وأعتقد أنه سيتكرر، إذ إن التغيريات الأخيرة في مجالس وهيئات الإعلام وكذلك الشركة المتحدة ووجود طارق نور، والي يعتبر وجوده قرار خارج الصندوق القديم، فهو رائد من رواد صناعة الإعلام في مصر، ووجوده يضمن رؤية جديدة للإعلام.

ما تحليلك للوضع الإقليمي؟ وإلى أين تتجه المنطقة؟

أكبر خطأ يمكن ارتكابه في قراءة تحركات وخطط الغرب مثل الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وإسرائيل، قرائتها في اللحظة الآنية، حيث يجب قراء التاريخ السابق والحالي، وكذلك ما هو قادم، فما يحدث الآن في المنطقة هو مخطط الشرق الأوسط الجديد، الذي اقترح منذ 15 سنة، وأفسده الشعب المصري في 2013، لأن مصر في أي مخطط غربي هي الجائزة الكبرى، فتاريخيًا مصر هي التي حمت المنطقة بالكامل من المغول والتتار وغيرهم.

نحن في الوقت الحالي أمام مخطط غربي لتنفيذ خطة الشرق الأوسط الجديد قسرًا، فالغرب حاليًا يعمل على تخليص القية الفلسطينية، ثم لبنان، ثم سوريا، وعام 2025 هو عام اليمن والعراق، وبالتالي يسعى إلى تفتيت المنطقة العربية إلى دويلات صغيرة مع توسيع النفوذ والسيطرة الإسرائيلية، خاصةً بعد احتلال الكيان الصهيوني لمناطق كبيرة في سوريا، وبالتالي نحن في استقبال حرب كبيرة في اليمن ضد الحوثيين بغض النظر إن كان  الحوثيون معانا أو لا.

مع العلم دول أكتر ناس خسرونا لكن في الآخر في الآخر أعتقد إنه القراءة الإقليمية للمنطقة بتقول إن حصار مصر ده هو حصار بالمخاطر طبعاً، وليبيا جاية على فكرة.

وترامب قال بنفسه أن الرقعة التي تعيش عليها إسرائيل الآن أصغر من اللازم، أي أنه يشير إلى مخطط توسع، ولا ننسى أن القدس أعلنت عاصمة للكيان المحتل في عهد ترامب، وهو يعمل بطريقة الـ«بيزنس والبلطجة»، وبالتالي لا أعتقد أن السنوات المقبلة ستكون جيدة على المنطقة.

كيف تقيم حكومة الدكتور مصطفى مدبولي؟

المهندس مصطفى مدبولي صديق لي منذ زمن إلا أني أريد أني أريد أن أستفسر منه عن أشياء كثيرة؛ فأنا مثلًا دهشت جدًا من لقائه الأخير مع رجال الأعمال ورؤساء المؤسسات المالية وإذاعة هذا اللقاء على الهواء -وهذا في حد ذاته تطور إيجابي-، لكن أن تبدوا الحكومة وكأنها تسمع هذا الكلام لأول مرة!! فهذه مشكلة.

صحيح أن المتحدثين خلال اللقاء تكلموا بحرية وقالوا كلامًا مهما وطرحوا حلولًا علمية ومنطقية جدًا، لكن عندما يكون المهندس مصطفى مدبولي رئيسًا لحكومات متعاقبة منذ 2018 وحتى 2025، وحتى هذه اللحظة لم نصل إلى صيغة لإعادة هيكلة الاقتصاد المصري باعتباره الأزمة التي ترهق الشارع المصري، فنحن أمام مشكلة كبيرة.

الاقتصاد بحاجة إلى إعادة هيكلة يا دكتور مصطفى، وأنت رجل خبير وعارف، وحولك خبراء كثر، فلماذا نستمر في معالجة المشكلات بشكل فردي دون وجود استراتيجية وسياسة واضحة للاقتصاد المصري على مدار ما يقرب من 10 سنوات؟

نحن منذ سنوات نشكو من أن لدينا فجوة في الميزان التجاري وأن حجم الصادرات أقل بكثير من حجم الواردات، بما يقرب من 40 مليار دولار، وكيف تتعامل الحكومة مع هذه الفجوة؟

عن طريق الاقتراض وهو ما زاد من حجم الديون في مصر، وجعل أغلب الميزانية الآن تنفق على خدمة الدين.

انا ليس لدي مشكلة أن نقترض لمدة عام، اثنين، ثلاثة، لكن لو كانت الحكومة منذ 2018 وضعت خطة وسياسة اقتصادية قائمة على الإنتاج، وتحفز الزراعة والصناعة، لكان لدينا الآن منتجات نصدرها وتدر علينا عائد دولاري.

أدرك جيدًا أن السبب في الأزمة الاقتصادية الحالية راجع إلى ظروف إقليمية ودولية، ولكن بنية الاقتصادي المصري كانت ضعيفة ما جعلها تتأثر كثيرًا مع خروج الأموال الساخنة.

يجب أن ندرك أن الأموال الساخنة لا تستقر في مكان وتتأثر بشدة مع أي تغيرات جيوسياسية، لذلك لا يمكن الاعتماد عليها في بناء دولة.

إلى متى سنظل دولة ريعية، تنتظر عائدات قناة السويس والسياحة وتحويلات العاملين بالخارج؟

قناة السويس الآن خسرت أكثر من 60% من عائداتها بسبب هجمات الحوثيون، والسياحة تأثرت بسبب الصراعات في المنطقة، وتحويلات العاملين بالخارج ليست ثابته.

السؤال هنا، أي اقتصاد في العالم كله يمكن أن ينمو دون إنتاج؟

لا يجوز أبدًا أن يكون مصدر الدخل الوحيد لي شقة أو اثنتين وأعتمد على إيجارهم دون أن أعمل ويكون لي إنتاج، لأنني هكذا أضع نفسية فريسة لظروف السوق المتقلبة.

فحكومات الدكتور مصطفى مدبولي المتعاقبة لم تضع حتى الآن هيكل واضح للاقتصاد المصري، والدليل على هذا أن وزير المالية السابق محمد معيط قال أن معظم الموازنة تذهب على سداد خدمة الدين، وعندما سؤل عن الطريقة التي ستواجه بها الحكومة هذه الأزمة قال «هستلف تاني».

فالإخفاق الأساسي في حكومة مدبولي في الملف الاقتصادي، وهو أهم الملفات، فالمواطنون في أوروبا وأمريكا ينتخبون حكوماتهم بناءً على خططهم الاقتصادية، لأن هذا الأمر هو الذي يمسهم بشكل كبير ويؤثر على معيشتهم.

كيف ترى أداء البرلمان؟

أنا فعلا لا أريد الاستغراق في هذه المسألة، لكن لدي سؤال واحد فقط، هل البرلمان منذ 2015 يعبر عن المواطن المصري؟

الإجابة: لا

لما يكون عندي في المجلس عضوين فقط من العارضة، اثنين فقط، فمن أين ستأتي الحيوية ومناقشة القوانين.

والأهم من ذلك، هل يستطيع البرلمان الحالي استجواب الحكومة والوزراء وسحب الثقة منهم؟

«يبقى خلاص»

كيف تستشرف مشهد انتخابات التجديد النصفي في نقابة الصحفيين؟

المشهد ثري جدًا وتوجد منافسة، وأعضاء مجلس النقابة الحاليين من أفضل المجالس، والنقيب الحالي بذل جهد كبير، رغم أنه من تيار سياسي يساري مخالف تمامًا، إلا أنه عمل في منظومة المجتمع المدني لأنه في النهاية عمل نقابي، فهي رسالة مهم أن تستوعبها الدولة.

فالرجل رغم أيدولوجيته اليسارية وانتماؤه إليها، إلا أنه أثبت أنه نقيب الجميع، بابه مفتوح طول الوقت ويتواصل بشكل محترم، يفهم المهنة بشكل جيد ويقوم بمجهود طيب وفق الإمكانات المتاحة، ومع ذلك أتمنى أنت تشهد انتخابات التجديد النصفي، منافسة أكبر وأن تطرح وجوه جديدة، وهذا ما يتمناه البلشي نفسه.

ففي النهاية المهم أن تكون الشخصية وطنية ومصرية، فمهما اختلفت وجهات النظر، الجميع يعمل من أجل مصلحة الوطن.

أنا أتذكر في بداية نقابته أن بعض الصحفيين كانوا يسألونني بقلق ما الذي سيحدث الآن في النقابة؟ فأجيبهم: لا شيء.

الرجل سيعمل وفق لبرنامجه ويحاول تنفيذه في إطار الدولة.

الدولة في النهاية لا تقتصر على رئيس الجمهورية أو الحكومة أو البرلمان، الدولة هي أنا وأنت والشعب المصري كله والأرض والوطن، ولا يجب أن نخلط بينهم.

الحكومة تعمل لدى الدولة وليست هي الدولة، وبالتأكيد خالد البلشي يحب هذه الدولة ويعمل لمصلحتها.

سؤلت قبل ذلك عن ردة فعلي إن منعت من العمل وأجبرت على الجلوس في منزلي؟

فأجبت أنني لن أفعل شيئًا سأجلس في منزلي، لا مشكلة، وبالفعل جلست لفترة قبل ذلك في المنزل، كل ما أريده أن يسمحوا لي بأن أعمل في الصحافة، لأنني أحب الصحافة.

وأما إن كان المقصود من السؤال هو معرفة إن كنت سأسافر إلى الخارج أم لا فهذا ليس من طبيعيتي، أنا أعاني من شيء اسمه « الحنين إلى الوطن homesickness» أي أنني إذا سافرت لمدة يومين أو ثلاثة أصاب بضيق تنفس ولا أرتاح إلى بعد العودة إلى الوطن.

فإن كانوا يريدون إجباري على الجلوس في المنزل أو سجني، أو حتى قتلي، فأنا ليس لدي مشكلة، ففي النهاية ليس لدي خيارات أخرى بعيدًا عن هذا الوطن.

فمهما حاول أي صاحب سلطة أن يضيق علي للخروج منها لن أخرج، ولن أعطي أحدًا الحق أن ينزع وطني من داخلي: «أنا لي متر في البلد، لي ربع متر، شوية أكسوجين، هتنفسهم لحد ما أموت».

الرابط المختصر https://alhorianews.com/7n56

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *