كتب: محمد مرزوق
أعربت الدكتورة منى مينا، الأمين العام السابق لنقابة الأطباء بمصر، عن رفضها ومخاوفها الكبيرة تجاه مشروع قانون “المسؤولية الطبية” الجديد، محذرة من تداعياته السلبية على مهنة الطب وحماية الأطباء والمرضى على حد سواء، مؤكدة أن هذه التعديلات تُلقي عبئًا هائلًا على عاتق الأطباء، وتهدد مستقبل المهنة.
وقالت: لقد بدأت حالة من الجدل الواسع في الأوساط الطبية بمصر عقب الإعلان عن هذا المشروع ظل هذا المناخ المتوتر الذي يعكس صراعاً محتدماً بين التشريع والواقع.
وأفادت بأن مشروع قانون “المسؤولية الطبية” يتضمن تشكيل لجنة عليا تتبع رئيس الوزراء، تُعرف بـ”اللجنة العليا للمسؤولية الطبية وحماية المريض”. تُناط بهذه اللجنة مهمة النظر في الشكاوى الطبية، إنشاء قاعدة بيانات، وإصدار أدلة إرشادية للتوعية بحقوق متلقي الخدمة، بالتنسيق مع النقابات والجهات المعنية.
مواد أثارت الجدل في قانون المسؤولية الطبية
وأكدت أن المشروع يشمل 30 مادة، من بينها مادتان أثارتا الجدل بشكل خاص. تنص المادة (27) على فرض غرامات تتراوح بين 100 ألف جنيه ومليون جنيه عن الأخطاء الطبية التي تسبب ضررًا مؤكدًا، وعقوبة بالسجن لمدة تتراوح بين سنة وخمس سنوات وغرامة تصل إلى مليون جنيه إذا كان الخطأ جسيمًا. بينما تُجيز المادة (29) الحبس الاحتياطي للأطباء أثناء التحقيق في الجرائم المرتبطة بتقديم الخدمة الطبية.
وأوضحت أن هذه التعديلات لا تستجيب للمطالب الحقيقية لنقابة الأطباء التي دعت منذ أكثر من 10 سنوات لإصدار قانون يحقق توازنًا بين محاسبة الأطباء وحماية حقوق المرضى.
الغرامات تزيد من الأعباء النفسية والمهنية على الأطباء
وأضافت أن العقوبات الجديدة، خاصة الغرامات المرتفعة والسجن، تزيد من الأعباء النفسية والمهنية على الأطباء، مشيرة إلى أن الغرامات تُعتبر عقوبات جنائية يتحملها الطبيب شخصيًا دون تغطية من شركات التأمين والتي تقتصر مسؤوليتها على التعويض المدني فقط.
التعريفات القانونية للأخطاء الطبية ما تزال فضفاضة
وأردفت أن التعريفات القانونية للأخطاء الطبية ما تزال فضفاضة، مما يفتح الباب أمام تفسيرات متعددة قد تُحمِّل الأطباء مسؤوليات جنائية غير منصفة، مضيفة أن المادة (23) من القانون لم تُلغَ وتتيح فرض عقوبات أشد في بعض الحالات، وهو أمر يزيد من تعقيد المشهد.
قانون المسؤولية الطبية مشروع شائه
ووصفت المشروع بـ”الشائه”، وأن هذه مواد المشروع قاسية وغير منصفة وغير عادلة بالمرة ومجحفة جدًا وبها جور بين للأطباء وترهق كاهلهم، مشيرة إلى أنه يتجاهل توصيات النقابة التي قدمت مسودات متعددة لقوانين تعتمد على تجارب دول عربية وأوروبية ناجحة. وأضافت أن القانون يضيف أعباء مالية جديدة على الأطباء، منها دفع أقساط تأمين ضد أخطاء المهنة، دون أن يحميهم من عقوبات الحبس والغرامات الكبيرة.
نقابة الأطباء طالبت بقانون مسؤولية طبية على مدار عشر سنوات
وأشارت مينا إلى أن النقابة طالبت على مدار عشر سنوات بقانون مسؤولية طبية يوازن بين حماية الأطباء وضمان حقوق المرضى، مستعينة بتجارب دول عربية وأوروبية. وقدمت النقابة مشروع قانون وصفته بـ”المتوازن والمحترم”، إلا أن هذا المشروع واجه تجاهلاً طويلاً، ليُطرح الآن قانون وصفته بأنه “مشوه” لا يمت بصلة إلى قانون المسؤولية الطبية المتعارف عليه عالميًا.
ولفتت إلى أن هذا القانون يُقنن كل مساوئ الوضع السابق، بل ويُضيف أعباءً جديدة على الأطباء، مثل إلزامهم بدفع أقساط تأمين ضد الأخطاء الطبية. ولكن هذا التأمين، حتى لو غطى التعويض، لا يمنع الغرامات الجنائية الضخمة أو الحبس.
كما طالبت مينا بإعادة النظر في مشروع القانون وإجراء حوار موسع مع الأطباء والقانونيين والبرلمانيين لتفادي تأثيره السلبي على مهنة الطب.
اتخاذ مواقف احتجاجية متدرجة
ودعت مينا الأطباء إلى اتخاذ مواقف احتجاجية متدرجة، مشددة على أهمية انعقاد جمعية عمومية طارئة لمناقشة خطوات تصعيدية.
كما دعت مجلس نقابة الأطباء لفتح استبيان على منصات التواصل الخاصة بالنقابة لجمع مقترحات الأطباء حول أشكال الاحتجاج المناسبة.
واقترحت أن يتضمن الاستبيان خيارات متدرجة للاحتجاج ليتم التصويت عليها من قبل الأطباء، مع ضمان الاطلاع المستمر على نتائجه، ومع ضرورة ربط نتائج التصويت بسجلات النقابة لضمان الشفافية.
وأشارت إلى أن وجود قرارات عملية مطروحة للتصويت في الجمعية العمومية هو ضمان لنجاحها، مشددة على أهمية ألا تتحول الاجتماعات إلى خطب جوفاء لا تغير من الواقع شيئًا.
التوقيع على بيان عاجل رافض لمشروع القانون
وتابعت أنه تم التوقيع على بيان عاجل رافض لمشروع القانون يطالب مجلس النقابة بسرعة التحرك لرفض القانون، من 309 من الأطباء والنقابيين، بينهم شخصيات بارزة مثل:
الدكتور إيهاب الطاهر، أمين عام نقابة الأطباء الأسبق.
الدكتور رشوان شعبان، أمين عام مساعد نقابة الأطباء الأسبق.
الدكتور محمد محمود مقبل، أمين مساعد نقابة أطباء القاهرة الأسبق.
وواصلت أن القانون بصيغته الحالية يهدد مستقبل المهنة، داعية إلى حوار مجتمعي موسع يُنتج قانونًا يوازن بين محاسبة الأطباء وحمايتهم وحماية المرضى.
واستطردت بأنه بحسب تقارير إعلامية ودراسات مهنية، فإن القطاع الطبي في مصر يعاني بالفعل من نقص حاد في الكوادر الطبية، مع تزايد هجرة الأطباء للخارج بسبب ضغوط العمل وضعف الرواتب. وتشير الإحصائيات إلى أن حوالي 70% من الأطباء الشباب يفكرون في مغادرة البلاد، وهي نسبة قد ترتفع في ظل القوانين الجديدة التي تزيد من مخاطر المهنة.
وبينت أن هذا الملف يُنتظر أن يشهد تطورات متسارعة خلال الفترة القادمة في ظل الضغط المتزايد من الأطراف المعنية.
ووجهت نداء مباشرا إلى مجلس النواب والحكومة لإعادة النظر في التعديلات المقترحة، مؤكدة أن القانون بصيغته الحالية يمثل ضربة قاصمة للقطاع الطبي في مصر، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى تعزيز ثقة الأطباء في النظام التشريعي، لا تثبيطهم بمزيد من العقوبات.
واختتمت قائلةً: يبقى السؤال: هل يستجيب المشرّعون لهذه الدعوات؟ أم أن هذا القانون سيمثل بداية لمرحلة جديدة من الأزمات في القطاع الصحي المصري؟
التعليقات