خطبة الجمعة القادمة خالد بدير: “فما ظنكم برب العالمين”

خطبة الجمعة القادمة خالد بدير: “فما ظنكم برب العالمين”

يبحث جميع المواطنين في هذا الوقت عن خطبة الجمعة القادمة خالد بدير، التي سيلقيها غدًا في ظهر الجمعة الموافق 3 من يناير 2025.

نص خطبة الجمعة القادمة خالد بدير

ونشر الشيخ خالد بشير نص خطبة الجمعة القادمة لخالد بدير التي سيلقيها غدًا عبر صفحته على فيسبوك، والتي جاءت كالتالي:

الحمد لله نحمده ونستعينه ونتوب إليه ونستغفره ونؤمنُ بهِ ونتوكل عليه ونعوذُ بهِ مِن شرور أنفسنا وسيئاتِ أعمالنا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريك له، وأنَّ سيّدَنَا مُحمدًا عبده ورسولُهُ . أَمَّا بعد:

أولا: دعوة الإسلام إلى الأمل

إِنَّ الإسلام يحث أفرادَهُ على الأمل بمستقبل مشرق؛ فالأمل أساس الحياة، وكل إنسانٍ له أمل في الحياة. فمثلا: ما الذي دفعَ الطلاب إلى الجد والاجتهاد وسهر الليالي؟ إنه الأمل في التفوق والنجاح!! وما الذي دفع التجارُ يقطعون المسافاتِ عبر الطرق والأنهار بالليل والنهار؟ إِنَّهُ الأمل في الربح والكسب الحلال! وما الذي دفع المريض إلى أخذ الأدوية المرّة والحقن المؤلمة مع كراهته لها؟ إنَّه الأمل في الشفاء!! وما الذي دفع الجندي إلى السهر بالليل والمخاطرة بنفسه وحياته؟ إنه الأمل في حماية الوطن والنصر أو الشهادة! وما الذي دفع الفلاح إلى المشقة في الحرثِ والغرس؟ إِنَّهُ الأمل في الحصول على معيشة رغدة ورزق وفير!! وما الذي دفع الشاب إلى العمل والسفر للكسب هنا وهناك ليجهز مسكنه وجهازَهُ؟ إِنَّهُ الأملُ فِي إعفافِ نفسِهِ وإحصان فرجه، وإنجاب ذرية يرفعونَ ذكرَهُ بعد موته!! وهلم جرًا في كل المجالات والمهن والوظائف.

فينبغي على كل فردٍ أن تكون حياته كلها مفعمة بالأمل، ولا يترك مجالًا لليأس أو القنوط أو الكسل أو الخمول. وإننا لو نظرنا إلى حياة الأنبياء عليهم السلام لوجدناها كلَّها مفعمة بالأمل، فلم يكن لديهم مجال لليأس أو القنوط، مع ما لاقوه من كفرٍ وعنادٍ ونفاق وبلاء، ولنضرب أمثلة من الأمل في حياتهم عليهم السلام.

فنوح عليه السلام دعا قومَهُ ألف سنةٍ إلا خمسين عامًا فلم يستجيبوا، ومع ذلك لم ينتابه اليأس والقنوط، {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ } (العنكبوت: 14). وهذا نبي الله أيوب عليه السلام ابتلاه الله سبحانه وتعالى في نفسه وماله وولده، إِلَّا أَنَّه لم يفقد أملَهُ فِي أَنْ يرفع الله الضر عنه، وكان دائم الدعاء لله، يقول تعالى: { وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } (الأنبياء: 83). لم يُخِب اللهُ أملَهُ، فحقق رجاءَهُ، وشفاه الله وعافاه، وعوَّضَهُ عمّا فقده.

وهذا يعقوب – عليه السلام – يغيب عنه أحبُّ الأبناء إليه أكثر من أربعين عامًا، ومع ذلك يخاطب أبناءه بروح متفائلة خلّدَها القرآنُ فقالَ: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } (يوسف: 87). ويعودُ إليه يوسف مرةً أخرى كما سجل ذلك القرآن الكريم.

وهذا خاتم الأنبياء والمرسلين يشتد به وبأصحابه الإيذاءُ والاضطهاد والتعذيب، ومجرد أن اشتكى بعضهم من شدة التعذيب، يأتي الرسول ﷺ مرةً أخرى ليبعث فيهم الأمل والتفاؤل من جديد. فعَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِ، قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَهُوَ مُتَوَسِدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِ الكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا؟ أَلا تَدْعُو الله لَنَا؟ قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ خَمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَاللَّهِ لَيُتِمَّنْ هَذَا الأَمْرَ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ أَوِ الذِّنبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ» (البخاري).

كما أرشدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم إلى الأمل والتفاؤل، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُحِبُّ الْفَأَلَ الْحَسَنَ؛ وَيَكْرَهُ الطِّيرَة” (أحمد بسند حسن). فإذا أردتم حياةً سعيدةً فعليكم بالأمل والتفاؤل، وما أجمل مقولة الزعيم الراحل مصطفى كامل: “لا يأس مع الحياة، ولا حياة مع اليأس”.

فعليكم بالأمل والتفاؤل في جميع مجالاتِ حياتِكم العملية، وإياكم واليأس والقنوط؛ فقد ندد القرآن بالقنوط واعتبره قرين الضلالِ، فقال تعالى: {قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} (الحجر: 56).

ثانيًا: الأمل صور ومظاهر

تعالوا بنا نطوفُ سوياً في هذا العنصر مع صور ومظاهر الأمل والتفاؤل في حياتنا اليومية والعملية، منها:

أمل المذنب في المغفرة

فقد أسرف قوم في المعاصي على عهدِ الرسول ﷺ وظنُّوا أنْ لا مجال لهم في المغفرة والرحمة، فعن ابن عباسٍ، أنَّ ناسًا من أهل الشرك قتلوا فأكثروا وزَنَوْا فأكثروا، ثم أتوا محمدًا ﷺ وقالوا: “إنَّ الذي تقول وتدعو لحسنٌ، ولو تُخبرنا أنَّ لما عملنا كفارةً”، فأنزل الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (الزمر: 53).

وعن أنسٍ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: “قال الله تعالى: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرتُ لك على ما كان فيك ولا أبالي؛ يا ابن آدم، لو بلغتْ ذنوبُك عنانَ السماء، ثم استغفرتني غفرتُ لك ولا أبالي؛ يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تُشرك بي شيئًا، لأتيتُكَ بقرابها مغفرةً” (أحمد والترمذي بسند حسن).

أمل المريض في الشفاء

فلا يبأس مريض من عدم الشفاء مهما كان مرضه عضالاً، فعليه أن يأخذ بأسباب التداوي مع التعلق بحبل الله في الشفاء. فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال: “ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاءً” (البخاري). ولنا في أيوب عليه السلام أسوة، حيث يقول تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَبِي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} (الأنبياء: 83، 84)، ومع ذلك، للأسف كثيرٌ من المرضى يسخط ويوهم نفسه بالموت والهلاك.

أمل العقيم في الإنجاب

فإن كنتَ عقيما لا تنجب فلا تيأس من رحمة الله وفيض عطائه، فهذه امرأة إبراهيم عليه السلام قد بشرتها الملائكة بالولد على كبر سنها، وهذا ما أثار إعجابها قائلةً: {يا وَيْلَتَى آلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ}، قالوا: “أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ؟ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ” (هود: 72، 73).

أمل المهموم والمغموم في كشف الهموم والكرب

إذا نزل بك هم أو غم أو كربةً، فلا تتأفف ولا تتضجر، فباب الأمل مفتوح وموجود، فالجأ إلى الله بالدعاء، كما كان يفعل حبيبنا وقدوتنا. فعن ابن عباسٍ، أن النبي ﷺ كان يقول عند الكرب: “لا إله إلا الله العظيم الحليم؛ لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم” (مسلم).

أمل صاحب الضيق والعسر والشدة في اليسر والرخاء

فمهما تكن اللحظات العصيبة في حياتك، فتعلق بحبل الله عز وجل. فهذه مريم عليها السلام عندما أظلمت الدنيا في عينيها ولم تجد ملجأً من الله إلا إليه قالت: {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا} (مريم: 23).
فكان الغوث والرحمة في قوله تعالى: {فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجُذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِنْ مَرَارَتِهِمْ فَحَدِّثْهُنَّ فَتَقُلْ إِنَّ إِنَّ اللَّهَ رَحِيمٌ عَلَيْهِمْ} (مريم: 24، 25).

أمل الأنبياء في رحمة الله ونجاتهم

ها هو سيدنا إبراهيم – عليه السلام – عندما ألقاه قومه في النار، كانت النجاة من عند الله عز وجل. يقول الله تعالى: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ} (الأنبياء: 69-70). فهذه الحادثة تبين لنا أن النجاة لا تأتي إلا من الله، وأن الأمل بالله هو السبيل الوحيد للخلاص في أوقات الشدة.

وهكذا كان حال يونس – عليه السلام – عندما التقمته الحوت. فقد لجأ إلى الله عز وجل ودعاه في الظلمات، فاستجاب الله له، ونجاه من الغم. يقول الله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَتَجْنَّاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَٰلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} (الأنبياء: 87-88). إن هذه الحكاية تعلمنا أنه لا نجاة للإنسان إلا إذا لجأ إلى الله في كل ضيق.

الأمل في مجالات الحياة المختلفة

هناك العديد من صور الأمل في الحياة، وهي تتنوع باختلاف المهن والوظائف والأغراض والطموحات. كل إنسان له أمل في مجال معين، وعليه أن يتخذ الأسباب الموصلة إلى تحقيق هذا الأمل. ينبغي أن يكون هدفه النجاح والتفاؤل، لا اليأس والقنوط والكسل. كما يجب أن يكون حسن الظن بالله، مع اليقين بأنه لن يخيب آماله وأحلامه. فبتفاؤله وثقته بالله، يتحقق له مراده. وكما قال النبي ﷺ في حديث صحيح البخاري: “يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ، ذكرته في ملأٍ خير منهم”.

التوكل على الله واليقين بعادته

قال ثابت البناني رحمه الله: “إني أعلم متى يذكرني ربي عز وجل”، فسألوه كيف يعلم ذلك، فأجاب: “إذا ذكرته ذكرني، أما قرأتم قوله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}”. ولقد ذكر الله تعالى في كتابه الكريم: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ}، أي أن الله يرد لك ما أنفقت، إما في الدنيا بالبدل، أو في الآخرة بالجزاء والثواب.

وقد بلغ عبد الله بن جعفر مكانة عالية في الجود، وعُوتب في ذلك، فقيل له: “لو ادخرت مالك لولدك بعدك”. فقال: “إن الله عودني عادة، وعودت عباده عادة: عودني أن يعطيني، وعودت عباد الله أن أعطيهم. وأخشى إذا قطعت عادتي عنهم أن يقطع عادته عني”.

الحياة بين الأمل والعمل

الرباط بين الأمل والعمل قوي جدًا. فالإنسان الذي يأمل شيئًا يجب أن يعمل بجد لتحقيقه. وكما قيل: “من جد وجد، ومن زرع حصد، ومن طلب العلى سهر الليالي”. يقول الدكتور إبراهيم الفقي: “احذر أن تكون أهدافك مجرد آمال وأمنيات، فتلك بضاعة الفقراء”. إذًا على المسلم أن يعمل جاهدًا لتحقيق أهدافه وطموحاته، مع التوكل على الله تعالى. وهذا ما غرسه النبي ﷺ في نفس الصحابي الذي أطلق ناقته متوكلًا على الله.

لقد كان هذا الصحابي مثالًا حيًّا على التوازن بين العمل والتوكل على الله. فقد تعلم من النبي ﷺ أن يأخذ بالأسباب مع الثقة بالله، لكي يحقق ما يأمل.

فَعَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ:قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ؟ قَالَ: “اعْقِلُهَا وَتَوَكَّلْ” (الترمذي وحسنه)، فالتفاؤل يدفع بهمةٍ للعمل، ويحفز بقوة على الجد، ويبعث على النشاط، ويدعو المتفائل إلى عمل الخير، وعدم القنوط أبداً. وانظروا إلى همم سلفنا الصالح وآمالهم المتعلقة بقوام دينهم وحياتهم ووطنهم.

فعن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزَّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: اجْتَمَعَ فِي الْحِجْرِ مُصْعَبٌ، وَعُرْوَةُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، فَقَالُوا: “تَمَنَّوْا”، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: “أَمَّا أَنَا فَأَتَمَنَّى الْخِلافَةَ”، وَقَالَ عُرْوَةُ: “أَمَّا أَنَا فَأَتَمَنَّى أَنْ يُؤْخَذَ عَنِي الْعِلْمُ”، وَقَالَ مُصْعَبٌ: “أَمَّا أَنَا فَأَتَى إِمْرَةَ الْعِرَاقِ، وَالْجُمْعَ بَيْنَ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ وَسَكِينَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ”، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: “أَمَّا أَنَا فَأَتَى الْمَغْفِرَةَ”. قَالَ: فَنَالُوا كُلُّهُمْ مَا تَنَوَّوْا، وَلَعَلَّ ابْنَ عُمَرَ قَدْ غُفِرَ لَهُ”. (حلية الأولياء وصفة الصفوة).

وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ قَالَ يَوْمًا لِمَنْ حَوْلَهُ: “تَمَنَّوْا”، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: “أَتَمَنَّى لَوْ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ مَمْلُوءَةٌ ذَهَبًا فَأَنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ”، ثُمَّ قَالَ: “تَمَنَّوْا”، فَقَالَ رَجُلٌ: “أَتَمَنَّى لَوْ أَنَّهَا مَمْلُوءَةً لَؤْلُؤًا، أَوْ زَبَرْجَدًا، أَوْ جَوَهِرًا، فَأَنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَتَصَدَّقُ”، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: “تَمَنَّوْا”. فَقَالُوا: “مَا نَدْرِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ”. قَالَ عُمَرُ: “أَتَمَنَّوْا لَوْ أَنَّهَا مَمْلُوءَةٌ رِجَالًا مِثْلَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجُرَّاحِ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ”. (فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل).

وانظر إلى الصحابي الجليل الذي كان أمله مرافقة النبي ﷺ في الجنة، فعن رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الأَسْلَمِيِّ، قَالَ: “كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ، فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ، فَقَالَ لِي: سَلْ، فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الجَنَّةِ؟”، قَالَ: “أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟”، قُلْتُ: “هُوَ ذَاكَ”، قَالَ: “فَأَعِي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ”. (مسلم).

فالرسول ﷺ لم يقل له: “طلبُكَ قيد التنفيذ”، أو “لك ذلك”؛ وإنما أرشده إلى كيفية الوصول إلى أمله، وهو العمل وكثرة السجود. وهذه رسالة قوية لكل من له آمال وطموحات أن يربط ربطًا قويًا بين الأمل والعمل، فإذا كان عندك طموحات وآمال، فعليك أن تأخذ بكل الأعمال والأسباب والوسائل الموصلة إلى آمالك. فعليكم بالاجتهاد في العمل والتمسك بالأمل، ولا سيما ونحن مقبلون على أشهر الخيرات والبركات.

رابعا: ظواهر اجتماعية معاصرة

أيُّها الإخوة المؤمنون: هناك عدة ظواهر اجتماعيةٍ منتشرة في المجتمع المصري يجب التنبيه عليها، منها:

الظاهرة الأولى: ظاهرة أكل الميراث

وهذه الظاهرة منتشرة في المجتمع المعاصر، ولو نظرنا إلى الشرع الحكيم لوجدنا أنَّ الله قسم الميراث بنفسه في قرآن يُتلى إلى يوم القيامة، ولم يتركه لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل، كما توعد الله تعالى آكل الميراثِ بأشد العذابِ. قال تعالى بعد ذكر آياتِ الميراثِ:
{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} (النساء: 13-14).

فَيَا مَنْ تَمَنَعْ حَقَّ الأُنثَى فِي مِيرَاثِهَا الَّذِي حَدَّدَهُ اللَّهُ: احْذَرْ مِنْ هَذَا الظُّلْمِ فَإِنَّ عَاقِبَتَهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ، وَاحْذَرْ أَنْ يَكُونَ خَصْمُكَ يَوْمَ القِيَامَةِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ الَّذِي قَالَ: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: اليَتِيمَ وَالْمَرْأَةَ”.

الظاهرة الثانية: ظاهرة الهجرة غير الشرعية

وهي منتشرة بكثرةٍ في المحافظات الحدودية، ويقصد بها: الانتقال من بلد إلى بلدٍ آخر بطريق التسلل عبر البحار أو الجبال بطرق غير مشروعة، وبغير إذن من البلد المنتهي إليها أو البلد الداخل فيها. وهي خطر على الفرد، لأنها تؤدي إلى المخاطرة والتهلكة، وقد قال تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}. (البقرة: 195).

وقد قال أحد المحاضرين وهو يتكلم عن مخاطر الهجرة غير الشرعية: “إن شاباً دفع مبلغًا للسمسار الذي يتعهد بسفره عن طريق البحر هجرة غير شرعية، فغرق أثناء سفره. فجاء أهله يطلبون المبلغ الذي أخذه، فقال لهم السمسار: ‘المبلغ لا يُردُّ، ولكن إذا أردتم الانتفاع بالمبلغ لا محالة، فأتوا بشاة أخرى يسافر مكانه دون أن يدفع مبلغًا آخر’”.

الظاهرة الثالثة: ظاهرة مشاكل الصيادين

فلا شك أنَّ الصيد مِن أهم الحرف التي يعيش عليها ويتكسب منها كثير من الناس، فالله تعالى سخَّر لنا البحار والأنهار لنأكل من خيراتها، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}. (النحل: 14).

فيا أيُّها الصيادُ الماهرُ، تفكرْ في حال صيدك في البحر، تملؤه أسماكٌ تتنوع أشكالها وألوانها، فكلها رزقٌ من الله الواسع. فسبحانه هو واسع العلم، واسع القدرة، واسع الرحمة، واسع الرزق، فما من مخلوقٍ في بحرٍ أو برٍ إلا وسعته خزائن الله. فاسأل الله من واسع فضله، واعلم أنَّ نفسًا لن تموت حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها”.

وتوكل على الله في وسط هذه الأمواج والأهوال، وستُرزق إن شاء الله كما يُرزَقُ الطير. فعن عمر رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ اللَّهِ ﷺ: “لَوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ، تَعدو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا”. (أخرجه الترمذي).

نسأل الله أن يفرج كروبنا، ويزيل همومنا وغمومنا، ويحقق آمالنا، وأن يرزقنا من حيث لا نحتسب، وأن يحفظ مصرنا من كل مكروه وسوء.

الرابط المختصر https://alhorianews.com/gzma

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *