تقرير: محمد مرزوق
بين الإعفاء والتسجيل يتصاعد الجدل حول رسوم الهواتف المحمولة للمسافرين القادمين من الخارج.
ففي ظل الحراك الاقتصادي الذي يشهده العالم، تسعى الحكومات لتحقيق التوازن بين تحصيل الرسوم وتحفيز النمو الاقتصادي. ومع نهاية عام 2024، أثارت مصر جدلًا واسعًا بإعلان آليات جديدة لتحصيل الرسوم الجمركية على الهواتف المحمولة المستوردة، لتدخل البلاد في دوامة من التصريحات المتناقضة بين الإعفاء المؤقت والرسوم الدائمة. قرار أثار تساؤلات المواطنين وخبراء الاقتصاد على حد سواء، وألقى بظلاله على ثقة الشارع بالسياسات الحكومية.
وفي السطور التالية نوضح ملامح التضارب والحقيقة التائهة..
وسط زخم القرارات الاقتصادية التي تشهدها مصر، وفي ظل سعي الحكومة لتنظيم عمليات الاستيراد وتقنين الرسوم الجمركية، أثار قرار تحصيل رسوم على الهواتف المحمولة المستوردة جدلاً واسعًا، لا سيما مع تضارب التصريحات الرسمية بشأن إعفاء الهاتف الشخصي للمسافرين القادمين من الخارج. وبينما يبحث المواطنون عن إجابات واضحة، تبدو الحكومة عالقة في تناقضاتها، مما جعل القضية مادة دسمة للنقاش الإعلامي والمجتمعي.
فصول القضية: قرارات متضاربة وتصريحات مربكة
نستعرض فصول القضية وتطوراتها وصولا إلى مرحلتنا الحالية وما قد تسفر عنه.
البداية: الإعلان الرسمي
في 25 ديسمبر 2024، أعلنت الحكومة المصرية عبر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار آلية جديدة لتحصيل رسوم جمركية على الهواتف المحمولة المستوردة. جاء الإعلان بهدف تقنين استخدام الهواتف المستوردة وضبط السوق المحلي. إلا أن الأمر سرعان ما تحول إلى حالة من الغموض، خاصة بعدما أكد نائب وزير المالية للسياسات الضريبية، شريف الكيلاني، في تصريحات بثتها المنصات الإعلامية، في 25 ديسمبر، أن “الهاتف الشخصي للمسافر معفي من أي رسوم إضافية”.
تصريح الكيلاني، الذي تم بثه عبر منصة مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، أعاد الطمأنينة للمواطنين. لكن بعد أيام قليلة، أصدرت وزارتا المالية والاتصالات بيانًا مشتركًا يشير إلى أن الإعفاء “انتقالي” لمدة ثلاثة أشهر فقط، ما أثار موجة من التساؤلات حول جدية التصريحات السابقة ومصداقية الحكومة.
توضيحات حكومية تزيد الغموض
في اليوم نفسه أكد رئيس الوزراء د. مصطفى مدبولي أن المواطنين المصريين القادمين من الخارج “مش هيدفعوا حاجة”، لكنه لم يحدد إطارًا زمنيًا أو شروطًا واضحة لذلك.
أما محمد شمروخ، رئيس الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، فقد أوضح في مؤتمر صحفي عُقد اليوم الخميس 2 يناير 2025 أن الهاتف الشخصي للمسافر القادم “ليس عليه أي رسوم”، مشيرًا إلى تطبيق الإعفاء على 305 مواطنين من بين 321 مسافرًا منذ بدء تنفيذ القرار، بينما فُرضت رسوم على 16 مسافرًا حملوا أكثر من جهاز واحد.
ومع ذلك تظل التساؤلات مطروحة حول المدة الزمنية المسموح بها للإعفاء وما إذا كانت هناك آليات واضحة لمنع استغلال القرار.
وجهة نظر الأطباء والخبراء النفسيين
تواصلنا مع عدد من الخبراء لتقييم الأثر النفسي والاجتماعي للقرار.
قال الدكتور أحمد حمدي، استشاري الطب النفسي، إن القرارات المتضاربة تصنع بيئة من القلق والتوتر. المواطن العادي يعتمد على الوضوح في اتخاذ قراراته اليومية، خاصة المسافرين الذين يتحملون أعباء السفر والمصاريف. هذه الحالة من الغموض تؤدي إلى ضغط نفسي واضح.
وأوضحت الدكتورة سارة عبد اللطيف، أستاذة علم الاجتماع، تضارب التصريحات لا يؤثر فقط على المسافرين، بل يخلق شعورًا عامًا بعدم الثقة في المؤسسات. هذا الشعور يمكن أن يؤدي إلى عزوف الأفراد عن التفاعل الإيجابي مع السياسات الاقتصادية الجديدة.
الرأي الاقتصادي: بين التحفيز وحماية السوق
أفاد الدكتور محمود إبراهيم، خبير اقتصادي، بأن مثل هذه القرارات تهدف إلى ضبط الاستيراد العشوائي وتشجيع السوق المحلي.
لكنه أضاف محذرًا من أن غياب الوضوح يفتح الباب أمام التأويلات الخاطئة، قد يُضعف ثقة المواطنين في السياسات الاقتصادية، مما قد يؤدي إلى تهريب الأجهزة أو البحث عن طرق بديلة للتحايل على الرسوم.
المواطنون: حيرة وانتقادات
على مواقع التواصل الاجتماعي، تتصدر عبارات مثل “رسوم الموبايل” و”الإعفاء المؤقت” قوائم البحث.
عبر عدد كبير من المواطنين عن استيائهم من تضارب التصريحات، وأشار البعض إلى أنهم واجهوا صعوبة في فهم الإجراءات الجديدة. وكتب أحد المسافرين على تويتر: كيف نخطط لزياراتنا إذا كنا لا نعلم هل هواتفنا ستُعامل كأمتعة شخصية أم كسلع مستوردة؟
يقول أحد المغردين: “إزاي نخطط لسفرنا لو كل يوم فيه تصريح جديد؟ إحنا محتاجين نعرف الحقيقة كاملة”.
إحصائيات وتقارير موثقة
321 مسافرًا دخلوا البلاد منذ بدء تطبيق القرار.
305 حالات تم إعفاؤها من الرسوم بعد التحقق من أن الهاتف للاستخدام الشخصي.
16 حالة تم فرض رسوم على الأجهزة الإضافية.
90 يومًا هي المهلة المحددة لتسجيل الهاتف قبل فرض الرسوم.
التناقض الإعلامي والشفافية المطلوبة
أكدت وكالة “رويترز”، في تقرير لها، أن غياب الوضوح في القرارات الحكومية يفتح المجال للتكهنات ويضعف الثقة العامة.
وأوصت بضرورة نشر جميع القرارات الحكومية بوضوح في الجريدة الرسمية، مشيرًا إلى أن تضارب التصريحات يضعف ثقة المستثمرين والمواطنين.
حيرة المواطن بين الإعفاء المؤقت وفرض الرسوم
بين الإعفاء المؤقت وفرض الرسوم يقف المواطن في حيرة من أمره. ومع تضارب التصريحات، ويبدو أن القضية ستظل موضع جدل حتى تتخذ الحكومة خطوات جادة نحو الشفافية والوضوح.
فهل ستنجح في تهدئة الشارع وتقديم إجابات قاطعة؟ أم أن هذه القرارات ستبقى مجرد فصول جديدة في سلسلة من التحديات الاقتصادية ورهينة التأويلات؟
تعليقات