تقرير: محمد مرزوق
شهدت نقابة الأطباء المصرية تطورات متسارعة وغير مسبوقة أثارت الجدل داخل الأوساط الطبية والسياسية في البلاد. فقد دفع قرار تأجيل الجمعية العمومية غير العادية، التي كانت مقررة يوم الجمعة 3 يناير 2025، أربعة من أعضاء مجلس النقابة إلى تقديم استقالاتهم احتجاجًا على القرار. وتأتي هذه الأزمة في خضم مناقشات حاسمة حول مشروع قانون المسؤولية الطبية، الذي أثار انقسامات حادة داخل النقابة، وحمل معه تساؤلات كبرى حول حقوق الأطباء والمرضى ومستقبل المهنة.
استقالات جماعية بنقابة الأطباء
وينفرد موقع “الحرية” بتفاصبل هذه العاصفة التي دفعت لاستقالة أربعة من الأطباء بمجلس نقابة الأطباء بمصر لتقديم استقالتهم في السطور التالية..
أعلن أربعة من أعضاء مجلس نقابة الأطباء استقالتهم، في حدث نادر هز الأوساط الطبية في مصر: احتجاجًا على قرار تأجيل الجمعية العمومية غير العادية التي كان مقررًا انعقادها يوم الجمعة الموافق 3 يناير 2025. هذه الخطوة أثارت جدلًا واسعًا في الشارع المصري والمجتمع الطبي، حيث أظهرت الانقسامات الداخلية في النقابة حول قانون المسؤولية الطبية الجديد ودور النقابة في حماية حقوق أعضائها.
تفاصيل أزمة نقابة الأطباء.. لماذا تأجلت الجمعية العمومية؟
في بيان رسمي صدر اليوم الخميس 2 يناير 2025 أعلنت نقابة الأطباء تأجيل الجمعية العمومية الطارئة، والمقررة لمناقشة مشروع قانون المسؤولية الطبية الذي يثير جدلًا كبيرًا بين الأطباء لمدة شهر، معللة القرار بضرورة انتظار المسودة النهائية لمشروع قانون المسؤولية الطبية.
جاء هذا القرار بعد جلسة مطولة للجنة الصحة بمجلس النواب برئاسة الدكتور أشرف حاتم، حيث تم تعديل بعض مواد القانون.
وأكدت النقابة أنها حققت بعض التعديلات المهمة على مشروع القانون، مثل إلغاء عقوبة الحبس في الأخطاء المهنية، وإلغاء الحبس الاحتياطي للأطباء، وتوضيح تعريف “الخطأ الطبي” و”الخطأ الطبي الجسيم”. لكن العديد من أعضاء النقابة اعتبروا هذه التعديلات غير كافية لحماية الأطباء وضمان بيئة عمل عادلة.
تصاعد الغضب.. استقالات متتالية من مجلس نقابة الأطباء
أعلن استقالته من مجلس نقابة الأطباء كل من:
الدكتور إبراهيم الزيات
أعلن الدكتور إبراهيم الزيات، عضو مجلس النقابة، استقالته عبر بيان حاد اللهجة، قائلًا: “مجلس النقابة فشل في حماية الأطباء، وإذا فشلنا فنحن نرحل”.
وأكد أن القرار صدر دون تصويت أو توافق داخل المجلس.
وانتقد الزيات قرار التأجيل الذي اتُخذ دون تصويت أعضاء المجلس، معتبرًا أن النقابة فقدت مصداقيتها أمام الأطباء.
الدكتور أحمد السيد
عبر منشور على حسابه في “فيسبوك”، أعلن الدكتور أحمد السيد استقالته، موضحًا أنه حاول بشدة رفض تأجيل الجمعية العمومية، لكنه وجد أن القرار قد اتُخذ دون اعتبار لرأي الأعضاء، وكتب: “كنت وما زلت أرى مكسب الجمعية ليس في القانون فقط، بل في إعادة توحيد الأطباء مرة أخرى”.
الدكتور أحمد علي والدكتور طارق منصور
أعرب الدكتور أحمد علي والدكتور طارق منصور عن رفضهما لما وصفاه بـ “التفرد بالقرارات داخل المجلس”، وأكدا في بيان مشترك أن الجمعية كانت فرصة لإعادة توحيد صفوف الأطباء في ظل أزمة الثقة القائمة.
تصريحات نقيب الأطباء
وفقًا لمصدر داخل النقابة تعرض النقيب الدكتور أسامة عبد الحي لضغوط لإلغاء الجمعية، وأشار المصدر إلى أن التعديلات التي أُجريت على مشروع القانون لم تكن كافية لتهدئة الغضب المتصاعد بين الأطباء.
وأوضح البعض أن التأجيل جاء نتيجة تخوفات من أن تتحول الجمعية العمومية إلى ساحة للمزايدات أو الاعتراضات الحادة.
من جهته أوضح النقيب أن التعديلات التي أجرتها لجنة الصحة بمجلس النواب على القانون تعكس تقدمًا ملحوظًا، مشيرًا إلى أن “إلغاء الجمعية لا يعني تخلي النقابة عن مطالب الأطباء”.
ملامح مشروع قانون المسؤولية الطبية
وأوضح بيان النقابة أن الجهود أثمرت عن إلغاء عقوبة الحبس الاحتياطي للأطباء في الأخطاء المهنية، مع تعديل تعريف “الخطأ الطبي” و”الخطأ الطبي الجسيم”. إلا أن العقوبات المالية تضاعفت لتصل إلى مليون جنيه في حالة الأخطاء البسيطة، و2 مليون جنيه مع الحبس في الأخطاء الجسيمة.
قانون المسؤولية الطبية.. ما الذي يدور حوله الجدل؟
تتركز الاعتراضات على مشروع قانون المسؤولية الطبية في النقاط التالية:
عقوبات مغلظة: على الرغم من إلغاء الحبس الاحتياطي وعقوبات الحبس للأخطاء المهنية، إلا أن القانون يحتفظ بعقوبات تصل إلى السجن في حالات “الأخطاء الطبية الجسيمة”.
التعريف غير الواضح: أثار تعريف “الخطأ الطبي” جدلًا كبيرًا، حيث يخشى الأطباء من استخدامه كذريعة لفرض عقوبات جنائية.
صندوق التعويضات: اقترح الأطباء إنشاء صندوق تعويضات يمول من اشتراكاتهم لتغطية التعويضات عن الأخطاء المهنية.
الآثار المترتبة على الأزمة
داخل النقابة:
اهتزاز ثقة الأطباء في مجلس النقابة.
تصاعد الدعوات لعقد جمعية عمومية جديدة لاستعادة مصداقية المجلس.
على مستوى المهنة:
استمرار حالة الاحتقان بين الأطباء، خاصة في ظل ضعف الحماية القانونية المقدمة لهم.
مخاوف من تأثير العقوبات المشددة على قدرة الأطباء على ممارسة عملهم بحرية ودون ضغوط.
انقسام حاد بين الخبراء
وصف إيهاب الطاهر، الأمين العام السابق للنقابة، إلغاء الجمعية بأنه “خطأ فادح يفقد المجلس مصداقيته”، وأكد على ضرورة التفريق بين الخطأ المهني والجريمة الطبية.
وصرح مصدر داخل مجلس النقابة (رفض ذكر اسمه) أن التعديلات التي أجريت على القانون غير كافية، موضحا أن “إلغاء الحبس في بعض المواد لا يلغي احتمالية السجن وفق قوانين أخرى”.
تصريح وزير الصحة
قال وزير الصحة، خالد عبد الغفار، إن القانون يهدف إلى حماية المرضى وضمان المساءلة، مشيرًا إلى أن الدولة لا تخشى من أي ضغوط.
ردود فعل الأطباء والجمهور
أثار تأجيل الجمعية حالة من الغضب في صفوف الأطباء، حيث شهدت وسائل التواصل الاجتماعي حملات تضامن واسعة مع الأعضاء المستقيلين. طالب الأطباء بعقد الجمعية في أسرع وقت لمناقشة القانون وضمان حقوقهم.
مستقبل النقابة.. إلى أين تتجه الأمور؟
مع تصاعد الخلافات تواجه النقابة العامة للأطباء تحديًا كبيرًا للحفاظ على وحدتها ومصداقيتها، ويرى البعض أن استقالة أعضاء المجلس تعكس ضرورة إعادة النظر في هيكل النقابة ودورها في الدفاع عن حقوق الأطباء.
بين الضغوط والطموحات
تبدو نقابة الأطباء اليوم أمام اختبار مصيري ليس فقط على مستوى حماية حقوق أعضائها، بل أيضًا في تعزيز استقلالها، بينما تتجه الأنظار نحو النسخة النهائية لمشروع قانون المسؤولية الطبية.
وتظل نقابة الأطباء في مصر أمام مفترق طرق، ويبقى السؤال:
هل سيُحقق القانون التوازن المطلوب بين حقوق المرضى والأطباء؟
الأيام القادمة وحدها ستكشف عن مآلات هذه العاصفة.
تعليقات