لم يعد مقبولاً استمرار هذا الجمود السياسي الذي يخنق الحياة العامة في مصر. فبعد سنوات من تقييد الحريات وتغييب الأصوات المعارضة وتضييق الخناق على العمل السياسي، بات من الضروري – بل من الحتمي – إعادة الاعتبار للحياة السياسية المصرية..
طارق العوضي يطالب بتحرير المجال العام من القبضة الأمنية الخانقة
لقد آن الأوان لتحرير المجال العام من القبضة الأمنية الخانقة. فالأجهزة الأمنية التي تجاوزت دورها في حفظ الأمن لتتحكم في كل صغيرة وكبيرة في الحياة السياسية، يجب أن تعود إلى دورها الطبيعي. فلا يُعقل أن يكون الأمن هو المتحكم في تأسيس الأحزاب وتنظيم المؤتمرات وإصدار الصحف وتشكيل النقابات.
إن ملف المعتقلين السياسيين يمثل جرحاً غائراً في جسد الوطن لا يمكن تجاهله. فخلف القضبان يقبع الآلاف من أصحاب الرأي والفكر، لا لشيء إلا لأنهم عبروا عن آرائهم أو مارسوا حقهم الطبيعي في العمل السياسي السلمي.
ورغم المخاوف المشروعة من العفو الشامل، فإن المراجعة القضائية المستقلة والشفافة لملفات المعتقلين باتت ضرورة لا تحتمل التأجيل.
إن استمرار الوضع الراهن يمثل خطراً داهماً على مستقبل مصر. فالدول لا تتقدم بخنق أصوات معارضيها وتكميم أفواه مثقفيها. والأوطان لا تزدهر بتغييب شبابها في السجون وإقصاء قواها الحية عن المشاركة في صنع مستقبلها.
إن غياب الحياة السياسية الحقيقية يخلق فراغاً خطيراً يهدد استقرار المجتمع ويقوض أسس الدولة.
نحن أمام استحقاق تاريخي لا يمكن تجاهله. فإما أن نمضي في طريق الإصلاح الحقيقي بإرادة وطنية خالصة، أو نواجه عواقب وخيمة لا تُحمد عقباها. إن إطلاق الحريات السياسية وإعادة الاعتبار للعمل السياسي ليس منّة من أحد، بل هو حق أصيل للشعب المصري الذي قدم عبر تاريخه الطويل نماذج رائعة في النضال من أجل الحرية والكرامة.
لقد حان الوقت لكسر حاجز الخوف وإعادة الثقة بين مكونات المجتمع المصري. فالحوار المجتمعي الشامل والمصالحة الحقيقية والعدالة الانتقالية ليست شعارات جوفاء، بل هي السبيل الوحيد لبناء مستقبل يليق بمصر وشعبها. إن مصر التي علمت العالم معنى الحضارة والتقدم تستحق حياة سياسية حقيقية تليق بتاريخها وحاضرها ومستقبلها.
إن القوى الوطنية المخلصة مطالبة اليوم بتحمل مسؤولياتها التاريخية والعمل بكل السبل المشروعة من أجل استعادة الحياة السياسية. فمصر لن تنهض إلا بسواعد أبنائها جميعاً، ولن تتقدم إلا بمشاركة كل أطيافها في صنع مستقبلها.
تعليقات