سحر الحسيني تكتب: هل حقاً تموت الأعوام؟!

سحر الحسيني تكتب: هل حقاً تموت الأعوام؟!

ذكريات مرتجلة، صور باهتة تحلق أمامي في الأفق، تبدو وسرعان ما تضل وسط سحابات ديسمبر. لحن شارد بطيء النغمات لا يفارق أذني. مشاعر مضطربة، تنهدات مؤجلة. أقف على أعتاب عام لأودع عاماً مضى إذ لا عزاء!

أمد يدي لأسدل الستار الرمادي، رعشة تسري في جسدي تدفئها حرارة دقات قلبي المتتابعة، وما زال نفس اللحن يملأ خلجات نفسي. لحظة موت هي؟ أم تراها لحظة ميلاد؟!

ما أعظم لوحات القدر؛ عام يحتضر وعام يولد! هل الأعوام حقاً تموت؟ أم أننا نحن من نموت معها شيئاً فشيئاً؟

مع كل عام يحتضر، نترك خلفنا جزءاً من أنفسنا، ذلك الجزء الذي نفقده ولا يعود أبداً.

وفي المقابل، يولد فينا شيء جديد، ربما نضجاً، أو حلماً آخر، أو حتى وجعاً يعلّمنا أكثر عن ماهيتنا.

دورة أبدية هي، ندرك بها دوماً أن كل نهاية هي بداية، وأن كل بداية تحمل في طياتها نهاية ما.

وبين البداية والنهاية، تقبع تفاصيل الحياة. نكتب على صفحات الزمن تفاصيلنا، علّها تبقى شاهدة على وجودنا في هذا الكون السرمدي.

عام يحتضر مختفياً، ومئات العبرات تنهمر من أعين وقفت تشهد لحظة الموت، تحمل نفس النظرة. نظرة مزجت بمختلف الأحاسيس: لوم، عتاب، ندم، شفقة، خوف، فرحة.

وعام يولد من رحم الأيام. حتى عامنا الجديد لم يسلم من تلك الأعين المترقبة: سحر أسطوري، غموض، إثارة. ترى، ماذا يحمل هذا العام في أوراقه؟ ماذا سنقرأ فيها؟!

ما زالت السماء تستعد لذلك المزيج العجيب من الاحتضار والميلاد، وما زال نفس اللحن الشارد يعبث بداخلي.

ماذا لو أن لنا حق الاختيار؟ هل سنتمسك بذلك العام المألوف الممتزج بأحزاننا والشاهد على ابتساماتنا؟ أم سيأخذنا الفضول لمعرفة ماهية غموض العام الوليد؟!

أي فلسفة هذه التي تجعلنا نربط وجودنا بأرقام على تقويم؟ نحن، البشر، مهووسون بالزمن، نحاول ترويضه بحساب الأيام، لكنه يظل دوماً متمرداً عنيدًا، لا يخضع لقيودنا.

يولد العام في لحظة فرح صاخب، وكأننا نحاول أن ننسى أن ولادته لا تعني سوى بدء العد التنازلي لرحيله.

كيف لم ننتبه أن ولادة العام ليست سوى مرآة لوجودنا نحن؟

تولد الأعوام وتحتضر مثلنا تماماً، تماماً كما نفعل نحن. لا ولادة بلا نهاية، ولا أمل بلا خيبة، ولا غد بلا ماضٍ.

أعوام تتوالى بلا توقف، زمن لا ينتظر أحداً، ولكنه دائماً يمنحنا فرصة أخرى لنبدأ من جديد.

ساعات قليلة وتبدأ طقوس الاحتفال، ليطوي ديسمبر آخر أوراقه. أجدني متلهفة وكلي شوق لرؤية شعاع العام الجديد. وفي كل مرة أحمل نفس الأمنية: علّه مختلفاً.

الرابط المختصر https://alhorianews.com/xey4

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *