طارق العوضي يكتب: الفجوة العميقة: بين المعارضة والفوضى

طارق العوضي يكتب: الفجوة العميقة: بين المعارضة والفوضى

في خضم التحولات السياسية والاجتماعية التي يشهدها عالمنا المعاصر، يبرز مفهومان يتم الخلط بينهما كثيراً: المعارضة والفوضى. هذا الخلط يمثل خطراً حقيقياً على المجتمعات، إذ يؤدي إلى تشويه صورة المعارضة البناءة وإضعاف دورها الحيوي في التطور المجتمعي.

المعارضة، في جوهرها، تمثل صوتاً واعياً ومسؤولاً في المجتمع. إنها تحمل رؤية بديلة للإصلاح والتطوير، وتسعى لتحقيق أهدافها من خلال القنوات الشرعية والأطر القانونية المعترف بها. المعارض الحقيقي يدرك أن هدفه الأساسي هو خدمة الوطن والمواطن، وليس مجرد الاعتراض لذات الاعتراض.

في المقابل، تقف الفوضى كنقيض صارخ لكل ما تمثله المعارضة البناءة. إنها حالة من التخبط والعشوائية، تسعى للهدم دون امتلاك رؤية للبناء. الفوضويون يتخذون من التخريب والإرباك وسيلة للتعبير عن رفضهم، متجاهلين أن هذا النهج لا يؤدي إلا إلى تدمير النسيج المجتمعي وإضعاف مؤسسات الدولة.

إن المعارضة الحقيقية تتميز بسمات أساسية تفصلها عن الفوضى بشكل جذري. فهي تمتلك برنامجاً واضحاً للإصلاح، وتقدم بدائل عملية قابلة للتطبيق. كما أنها تحترم سيادة القانون وتؤمن بالتداول السلمي للسلطة.

المعارضة تدرك أن الاختلاف في الرأي لا يعني بالضرورة العداء، وأن التنوع في وجهات النظر يمكن أن يكون مصدر ثراء للمجتمع إذا تم توظيفه بشكل صحيح.

أما الفوضى، فهي تفتقر إلى أي رؤية بناءة للمستقبل. إنها تعتمد على إثارة المشاعر السلبية وتأجيج الصراعات دون اعتبار للمصلحة العامة.

الفوضويون غالباً ما يستغلون المظالم الحقيقية كذريعة لنشر الفوضى، لكنهم لا يقدمون حلولاً عملية لهذه المظالم.

من المهم أن نفهم أن المعارضة البناءة تمثل صمام أمان للمجتمع. فهي تمنع تراكم الضغوط الاجتماعية والسياسية من خلال توفير منافذ شرعية للتعبير عن الاختلاف. كما أنها تساهم في تطوير السياسات العامة من خلال النقد البناء والمراجعة المستمرة.

في المقابل، تؤدي الفوضى إلى نتائج كارثية على المجتمع. فهي تقوض الثقة بين مكونات المجتمع، وتضعف قدرة الدولة على أداء وظائفها الأساسية. كما أنها تخلق بيئة غير مستقرة تنفر الاستثمارات وتعيق التنمية.

وأخيراً، يجب على جميع القوى السياسية أن تدرك أن القدرة على التمييز بين المعارضة والفوضى هي جزء أساسي من النضج السياسي والاجتماعي.

فالمعارضة البناءة تستحق الدعم والتشجيع، لأنها تمثل صوت العقل والحكمة في مواجهة التحديات.

أما الفوضى، فيجب مواجهتها بحزم وحكمة وقوة، مع معالجة الأسباب الحقيقية التي قد تدفع البعض نحوها.

 

الرابط المختصر https://alhorianews.com/4rea

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *